الجمعة 10 يناير 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

سوريا الجديدة.. بين النزول عن شجرة الجهاد وسقوط تفاحة نيوتن

الأربعاء 08/يناير/2025 - 06:29 م

السيطرة الدراماتيكية لهيئة تحرير الشام على سوريا التي تحمل بصمات واضحة لقوى إقليمية ودولية ونتجت عن "طوفان الأقصى"، وضعت الهيئة أمام تحدٍ وجودي يفرض عليها الانتقال من عالم الأيديولوجيا المطلقة إلى عالم السياسة الواقعية، حيث وجدت الهيئة نفسها مضطرة إلى النزول عن الشجرة "الجهادية العالمية"، من الرؤية الأحادية للعالم وتقسيمها له بين "نحن" و"هم"، إلى واقع سوريا المعقد، حيث تتداخل المصالح وتتناقض الأولويات، وتحت أنظار العالم.

من منطق الميليشيا إلى منطق الدولة.. تحديات التحول

التحول من ميليشيا مسلحة إلى حكومة الأمر الواقع يحمل في طياته مفارقة عميقة، فبينما كانت الهيئة تعمل كتنظيم إسلامي يعتمد الخطاب الأيديولوجي الصارم، أصبحت الآن تتحمل مسؤولية إدارة دولة تخرج من 14 سنة حرب أهلية ومدمرة أفقيا وعموديا، هذا التحول يتطلب منها التوفيق بين مبادئها الجهادية والواقعية السياسية، مما سيؤدي إلى حالة من التشظي الأيديولوجي والبحث عن هوية جديدة.

الهيئة تواجه الآن سؤالا جوهريا: كيف يمكنها الحفاظ على شرعيتها الأيديولوجية أمام قاعدتها ذات الأفكار المتشددة، وفي نفس الوقت كسب ثقة المجتمع الدولي والمحلي؟ هذا التوازن الدقيق يتطلب منها إعادة صياغة خطابها السياسي، والانتقال من منطق الميليشيا إلى منطق الدولة.

مقاربة فلسفية: شجرة نيوتن وشجرة الجهاد

في مقاربة فلسفية لافتة، يمكننا أن نرى تشابهًا بين قصة شجرة نيوتن حين اكتشف الجاذبية، و"شجرة الأيديولوجية الجهادية" التي رابطت فوقها هيئة تحرير الشام لسنوات وتضطر للنزول منها بعدما اكتشفت جاذبية استحواذها على السلطة في دمشق مستفيدة من لحظة تاريخية أنضجت معادلات إقليمية ودولية، ولكنها اكتشفت أيضًا أن السياسة مسألة نسبية ومتغيرة وتخضع لشروط وأحكام نفس القوى الدولية التي مهدت لوصولها للحكم، وأن عليها تضييق خطابها الأيديولوجي لصالح البراغماتية السياسية.

من القومية إلى الإسلام السياسي: تناقضات التاريخ

سوريا بعدما عاشت لعقود تحت حكم أيديولوجية قومية بعثية رفعت شعارات العلمانية لكنها مارست الطائفية والدكتاتورية العسكرية، تجد نفسها اليوم تحت سيطرة أيديولوجية إسلامية تواجه تناقضاتها الخاصة، والمفارقة الأعمق هنا أن هيئة تحرير الشام، التي كانت ترفع شعارات الجهاد العالمي وتكفير الغرب، تجد نفسها الآن في موقف يدفعها للبحث عن دعم هذا الغرب ليشرعن وجودها ويدعمها في إعادة إعمار سوريا وإنعاش اقتصاد الدولة.


وكأن سوريا تنتقل من تناقضات أيديولوجية إلى أخرى: من نظام ادعى العلمانية ومارس الطائفية والديكتاتورية، إلى سلطة ترفع راية الإسلام الجهادي وتسعى للتقارب مع الغرب الذي كانت تعتبره عدوا.

هل ستسقط هيئة تحرير الشام مثل تفاحة نيوتن؟

السؤال الذي يتردد الآن في أروقة السياسة الدولية هو: هل ستسقط هيئة تحرير الشام كما سقطت تفاحة نيوتن؟ هل ستخلع الهيئة جلدها؟ هل سيلفظها المجتمع السوري المعتدل والمتعدد الأطياف والثقافات؟ هل تستطيع منطقة الشرق الأوسط المضطربة أن تستوعب تطرفها؟ 

بين حتمية قوانين الطبيعة وتقلبات السياسة، تقف سوريا اليوم أمام تجربة فريدة. إما أن تثبت أن قوانين التاريخ لا تتغير، أو أن في السياسة استثناءات لم تعرفها تفاحة نيوتن ولا حتى تفاحة شركة "آبل" التي أسسها ستيف جوبز، السوري الأب، في مفارقة أخرى من مفارقات التاريخ.

تابع مواقعنا