لوسي داف جوردن.. الكاتبة الإنجليزية التي أسرت القلوب ولقبت بشيخة الفلاحين بالأقصر
في قلب الأقصر حيث تلتقي حضارة الفراعنة بجمال النيل، عاشت امرأة إنجليزية غيرت حياة السكان المحليين إلى الأبد، لوسي داف جوردن، الكاتبة والمترجمة الإنجليزية، حيث لم تكن مجرد سائحة تبحث عن الشفاء من مرض السل، بل تحولت إلى رمز للعطاء والإنسانية في مدينة الأقصر.
رحلة الشفاء التي تحولت إلى قصة إنسانية
وصلت لوسي إلى مصر عام 1862، هربًا من مرض السل الذي كان يفتك بها، لكنها لم تكتف بالبحث عن الشفاء، بل انغمست في حياة المجتمع المصري، وتعلمت اللغة العربية، وبدأت تكتب رسائل مفصلة إلى عائلتها في إنجلترا، تصف فيها تفاصيل الحياة اليومية في الأقصر.
رسائلها لم تكن مجرد وصف جغرافي أو تاريخي، بل كانت نافذة إنسانية على معاناة الفلاحين المصريين تحت وطأة الضرائب الباهظة والحكم العثماني.
الشيخة التي قدمت الدواء والغذاء
في الأقصر، لم تكن لوسي مجرد كاتبة، بل أصبحت طبيبةً غير رسمية للسكان المحليين باستخدام الأعشاب الطبيعية، عالجت أمراضًا مثل الدوسنتاريا والربو، ووزعت الطعام والدواء على المحتاجين، بفضل هذه الأعمال الإنسانية، أطلق عليها الأهالي لقب الشيخة، تقديرًا لدورها الكبير في مساعدتهم.
رسائل من مصر: وثيقة تاريخية خالدة
نشرت لوسي رسائلها تحت عنوان رسائل من مصر عام 1865، والتي لاقت نجاحًا كبيرًا وتمت طباعتها عدة مرات، هذه الرسائل لم تكن مجرد سرد لرحلتها، بل كانت وثيقة تاريخية تعكس حياة المصريين في القرن التاسع عشر، مع تركيز خاص على الظلم الذي عانوا منه، وانتقدت لوسي بشدة الممارسات الاستغلالية للحكومة والمبشرين الأجانب، مما جعل كتاباتها مصدر إلهام للعديد من الرحالة والمؤرخين.
وفاتها وإرثها الخالد
توفيت لوسي داف جوردن في القاهرة عام 1869، لكن إرثها لم يمت، ورسائلها لا تزال تُقرأ حتى اليوم كواحدة من أهم الوثائق التي توثق الحياة المصرية في القرن التاسع عشر، كما ألهمت كتاباتها العديد من الرحالة الذين جاءوا بعدها، مثل أميليا إدواردز، التي زارت مصر متأثرة برسائل لوسي.
لوسي داف جوردن لم تكن مجرد كاتبة، بل كانت رمزًا للإنسانية والتعاطف، تركت بصمة لا تُنسى في تاريخ الأقصر ومصر بأكملها، وقصتها تذكرنا بأن الشفاء الحقيقي لا يأتي فقط من المناخ الجاف، بل من العطاء والتواصل الإنساني.