الإثنين 31 مارس 2025
Karksi-Nuia
6°C
Cloudy sky
3.1 m/s
86%
759 mmHg
01:00
6°C
02:00
6°C
03:00
6°C
04:00
5°C
05:00
4°C
06:00
4°C
07:00
3°C
08:00
3°C
09:00
5°C
10:00
6°C
11:00
8°C
12:00
10°C
13:00
12°C
14:00
13°C
15:00
14°C
16:00
15°C
17:00
14°C
18:00
14°C
19:00
12°C
20:00
9°C
21:00
7°C
22:00
6°C
23:00
5°C
00:00
4°C
01:00
3°C
02:00
3°C
03:00
3°C
04:00
3°C
05:00
2°C
06:00
2°C
07:00
1°C
08:00
2°C
09:00
3°C
10:00
5°C
11:00
8°C
12:00
9°C
13:00
10°C
14:00
10°C
15:00
11°C
16:00
11°C
17:00
11°C
18:00
11°C
19:00
10°C
20:00
8°C
21:00
5°C
22:00
5°C
23:00
4°C
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

العدل في ميزان رمضان.. بين التكافل والإحسان

رضا سلامة
مقالات
رضا سلامة
الخميس 27/مارس/2025 - 02:59 ص

في إحدى ليالي مكة الحالكة، جلس عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، على الأرض، بعيدًا عن ضوء القناديل، يراقب مشهدًا لم يكن يدري أنه سيترك أثرًا خالدًا في ذاكرته. امرأةٌ فقيرة، في طرف المدينة، توقد نارًا تحت قدرٍ يغلي، وأطفالها يتضوّرون جوعًا. جلس يرقبها طويلًا قبل أن يقترب ويسألها عمّا تطهو.. رفعت رأسها، وقد حفرت الأيام على ملامحها قسوة الفقر، وقالت: 
"لا شيء، إنما هو ماء وحصى، أعلل به صغاري حتى يناموا، فلا يبيتوا على بكاء الجوع!".
ارتعش قلب عمر، وكأن الأرض قد زُلزلت تحت قدميه. دون أن ينطق بكلمة، نهض مسرعًا إلى بيت مال المسلمين، وحمل على ظهره كيسًا من الدقيق، وأقسم ألا يدعه لأحدٍ يحمله عنه. وحين سأله رفيقه: "يا أمير المؤمنين، احمل عنك، فقد أرهقت نفسك!" قال كلمته التي خلدها التاريخ: "وهل يحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟!.  
وصل إلى المرأة، وأخذ يعجن الطحين بيديه، ثم أشعل النار تحته، وأخذ يطهو بنفسه، حتى بدأ الأطفال يأكلون ويضحكون. وقف يراقبهم بصمت، ثم تنهد بعمق وقال: "الحمد لله الذي جعلني أشعر اليوم بمعنى العدل".  
ليست هذه مجرد قصة، بل هي انعكاسٌ لجوهر العدل كما ينبغي أن يكون. العدل ليس مجرد ميزانٍ يقيس الحقوق والواجبات، وليس قوانين تُسنّ، أو أحكامًا تُفرض، بل هو شعورٌ إنسانيٌّ يتغلغل في القلب قبل أن يُترجم إلى أفعال. في رمضان، تتجلى هذه الروح أكثر من أي وقتٍ آخر، حيث يعيد الصيام تعريف العلاقات بين البشر، ليس فقط بين العبد وربه، ولكن بين الإنسان وأخيه الإنسان. ففي الجوع، يدرك الغني معنى الحرمان، ويشعر القوي بضعف الجائع، ويتساوى الجميع تحت شمس الامتحان، ليعرف كل واحد منهم أن العدل ليس ترفًا، بل ضرورةٌ لا تكتمل إنسانيتنا بدونها.  


رمضان ليس شهر الجوع، بل شهر العطاء. ليس شهر الامتناع، بل شهر الامتلاء بالمحبة والمسؤولية. حين فرض الله الصيام، لم يكن الهدف تعذيب الجسد، بل إيقاظ الضمير، ليشعر الصائم بحاجة من لا يجد، لا ليشفق عليه فحسب، بل ليعتبر ذلك دينًا في عنقه، واجبًا لا مجرد إحسان. ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة أن تُفرض الزكاة في رمضان، وأن يُشجع الإنفاق فيه أكثر من أي وقت آخر. ففيه، يتحول التكافل إلى فعلٍ تلقائيّ، وكأن الإنسان حين يجوع، يصبح قلبه أكثر رحمة، وضميره أكثر يقظة، ويده أكثر سخاءً.
وكما قال النبي ﷺ: "أيما أهل عَرْصَةٍ بات فيهم امرؤٌ جائعٌ فقد برئت منهم ذمةُ الله ورسوله"، فالعدل هنا ليس فقط أن تأكل، بل أن تضمن أن يأكل غيرك أيضًا.  
لكن العدل وحده لا يكفي ليجعل العالم أكثر إنسانية. لو كان العدل هو الغاية القصوى، لكان بإمكاننا أن نعيش في عالمٍ باردٍ، حيث يأخذ كل إنسانٍ حقه فقط، دون زيادة، دون لمسة حنان، دون إحساسٍ يتجاوز الحسابات الدقيقة. لكن رمضان يعلمنا أن العدل حين يختلط بالرحمة، فإنه يصبح إحسانًا، وحين يقترن بالعطاء، يتحول إلى حبّ.  
يقول الله في الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا". لكنه لم يقل فقط "لا تظلموا"، بل قال: "وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين"، فالعدل يحقق التوازن، لكن الإحسان يحقق السعادة، والرحمة هي ما تجعل العدل جميلًا، كما يجعل السكر القهوة أقل مرارة. 
في هذا الشهر، يتعلم الإنسان أن العدل ليس قانونًا، بل حياة. ليس مجرد موازنة بين الحقوق، بل هو إدراكٌ بأن الحقوق ليست أوراقًا قانونية، بل حاجاتٌ إنسانية. ليس أن يأخذ كل ذي حق حقه، بل أن يملك الإنسان الوعي لأن يعطي أكثر مما يأخذ، وأن يرى الآخر ليس كخصمٍ في معركة، بل كأخٍ في رحلة الحياة.
في رمضان، يدرك الغني أنه ليس غنيًا إلا بقدر ما يساعد الفقير، ويدرك القوي أن قوته ليست في ما يملك، بل في كيف يستخدمها لخدمة غيره، ويدرك الإنسان أن أعظم العدل هو أن تعطي، حتى حين يكون بإمكانك ألا تفعل.  
وفي النهاية، كما قال عمر بن الخطاب ذات مرة: "لو كان الفقر رجلًا لقتلته"  
لكننا نعلم جميعًا أن الفقر لا يموت بالدم، بل بالمحبة، ولا يزول بالقوة، بل بالإحسان، ولا ينتهي بالعدالة وحدها، بل حين يصبح العدل عادةً يومية، لا استثناءً مؤقتًا.
لأن العدل في رمضان ليس شعارًا، بل حياة نعيشها.. وإيمانٌ نطبقه، لا مجرد كلماتٍ نرددها.

تابع مواقعنا