خيارات إسرائيل في غزة.. محاولات مستميتة لمواجهة التحديات الاستراتيجية بعد الحرب
تشهد الساحة الإسرائيلية تحديات استراتيجية هامة تتطلب قرارات حاسمة بشأن الوضع في قطاع غزة، في ظل تزايد الضغوط العسكرية والسياسية. وبعد "طوفان الأقصى" وعدوان عملية "الجرف الصامد"، أصبح من الضروري للقيادة الإسرائيلية أن تختار بين عدة مسارات تواجهها في التعامل مع قطاع غزة، في وقت تزداد فيه التكهنات حول تداعيات هذه الخيارات على الأمن الإقليمي والعالمي.
ثلاثة مسارات
تطرح الاستراتيجيات المطروحة ثلاثة مسارات رئيسية لإسرائيل بعد الانتهاء من الحرب في غزة، لما تحمله من تبعات على المدى القصير والطويل.
أولا، استمرار السيطرة الإسرائيلية على غزة، ومن خلال هذا السيناريو، تسعى إسرائيل إلى الإبقاء على سيطرتها العسكرية والأمنية المباشرة على القطاع، على الرغم من التكلفة البشرية والعسكرية المرتفعة التي قد تواجهها.
ويبدو هذا المسار غير مستدام على المدى الطويل، خاصة في ظل الدعوات الإقليمية والدولية للحل السياسي الذي يضمن استقرارًا مستدامًا، ومع ذلك، يمكن أن يؤدي إلى تحجيم قوة حركة "حماس" وإضعاف سلطتها العسكرية على الأرض.
ثانيا، عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة: إعادة السلطة الفلسطينية إلى الحكم بعد الإطاحة بحركة "حماس" تُمثل مسارًا سياسيًا طويل الأمد يتطلب توافقًا إقليميًا ودوليًا. هذا الخيار يواجه تحديات عدة.
التحديات التي تعددها إسرائيل: ضعف السلطة الفلسطينية وفقدانها للشرعية الشعبية في غزة، بالإضافة إلى انقسامها الداخلي، مما يعقد من فرص نجاحه، رغم ذلك، يعد هذا الخيار الحل المثالي من الناحية السياسية إذا تم التوصل إلى اتفاق مع الأطراف العربية المعتدلة.
ثالثا، الإطار الدولي أو الإقليمي المؤقت، وينطوي هذا الخيار على إشراك دول عربية وربما الأمم المتحدة، لتشكيل إدارة مؤقتة في غزة، وقد يسهم هذا المسار في استقرار الوضع على المدى القصير، لكنه يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الأطراف المعنية وإيجاد شروط سياسية دقيقة لتطبيقه. سيكون هذا الخيار بمثابة جسر نحو حل دائم، لكنه لا يضمن حلًّا نهائيًا للأزمة.
مفارقات استراتيجية
أمام هذه الخيارات، يجد القادة الإسرائيليون أنفسهم أمام مفارقات استراتيجية معقدة. على سبيل المثال، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لتأمين إطلاق سراح 59 رهينة من أسر "حماس"، تجد نفسها مضطرة للقرار بين متابعة خيار دبلوماسي أو الخوض في عملية عسكرية واسعة قد تؤدي إلى تهديد حياتهم.
من جهة أخرى، يشير باحثون في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب إلى ضرورة وضع خطة استراتيجية شاملة تتضمن تسوية سياسية تُسهم في الوصول إلى حل دائم يعيد الاستقرار ويضمن عدم عودة "حماس" إلى السلطة في غزة.
تتعدد دلالات وتوصيات الاستراتيجية الإسرائيلية، لاسيما إعادة المخطوفين كشرط أساسي، ويتفق معظم الخبراء على أن الهدف الأسمى يجب أن يكون إعادة جميع المخطوفين، وهو ما يتطلب مسارًا سياسيًا مع "حماس" بدلًا من الاستمرار في العمليات العسكرية فقط.
في المقابل، هناك الخوف من "فراغ السلطة" حيث يشير العديد من المحللين إلى أن أي فراغ في السلطة في غزة بعد الحرب قد يُعزز الفوضى ويعطي فرصة لعودة "حماس" أو تنظيمات أخرى إلى الساحة، مما يعقد الأمور أكثر.
أيضا، هناك التنسيق مع الدول العربية وتوسيع التعاون مع القوى العالمية الفاعلة مثل الولايات المتحدة، لضمان حل شامل للأزمة في غزة، بما يتوافق مع الأهداف الأمنية والسياسية.
مواجهة إيران
تظل إيران التحدي الأكبر أمام إسرائيل على الساحة الإقليمية، حيث تسعى طهران لتطوير برنامج نووي قد يهدد الأمن الإقليمي. ورغم الضغوطات الدولية، يبدو أن إسرائيل في موقف حساس بين العمل العسكري والدبلوماسي.
يأتي هذا في ظل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي. وفي هذا السياق، تسعى إسرائيل إلى تقوية تحالفاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، وتوسيع التنسيق الاستراتيجي لضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي.
التحديات التي تواجهها إسرائيل اليوم تتطلب استعدادًا استراتيجيًا بعيد المدى لا يشمل الجانب العسكري فقط، بل أيضًا الجانب السياسي والاقتصادي. يجب على إسرائيل أن تضع خطة شاملة، تشرك الأطراف الدولية والإقليمية، للحفاظ على استقرار الوضع الأمني في غزة ولبنان وسوريا، وفي ذات الوقت تسعى إلى إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.