مصر.. الحقيقة التي لا تُطمس
في الأيام الأخيرة تصدّرت فضيحة سياسية كبرى تُعرف إعلاميًا باسم “قطر جيت” عناوين الصحف حيث وُجهت اتهامات لمستشارين مقربين من رئيس وزراء الكيان بتلقّي أموال من دولة قطر لتحسين صورتها في الداخل الإسرائيلي والتقليل من دور مصر المحوري كوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار مع حركة حماس.
لكن، قبل التسرّع في تبني روايات مصدرها دولة تخضع وسائل إعلامها لرقابة عسكرية صارمة يجب التوقّف مليًا الكيان المحتل يطبق نظام رقابة يُجبر الصحفيين على تمرير أي مادة تتعلق بالأمن القومي أو العمليات العسكرية أو التحقيقات الاستخباراتية إلى وحدة الرقابة العسكرية قبل النشر فكيف يمكن أن نصدّق أن مثل هذا التسريب الحساس خرج دون علم أو موافقة من الجهات الرسمية؟، وهل من المنطقي أن تُسرّب دولة بهذا الحجم من التحكم الإعلامي قضية بهذا الثقل دون أهداف خفية؟
الواضح أن هناك محاولات مدروسة لإحداث وقيعة بين مصر وقطر خاصة بعد ما شهدناه من تقارب لافت وتعاون مشترك في ملفات عدة خلال الشهور الماضية، وهذا التقارب لا يروق لبعض الأطراف التي لا ترى في الاستقرار العربي مصلحة لها.
أما الحديث عن دور مصر، فمن السذاجة أن يحاول أي طرف طمسه أو تقليله فمصر الدولة صاحبة التاريخ الضارب في عمق الحضارة فهي من احتضنت القضية الفلسطينية منذ بداياتها ودفعت في سبيلها دماء شهدائها وفتحت أبوابها للوساطة والمصالحة رغم التحديات ولولا مصر ولولا الرئيس السيسي خلال السنوات الماضية لما بقي للقضية الفلسطينية مكان على طاولة العالم ولربما اندثرت منذ عقود.
نحن أمام محاولة خبيثة لإعادة تشكيل مشهد إقليمي حساس، بإشعال فتنة بين شقيقين عربيين أحدهما يمتلك الثقل التاريخي والدبلوماسي والآخر يملك الدور الاقتصادي المتصاعد لكن التاريخ علّمنا أن الوعي السياسي المصري لا تنطلي عليه مثل هذه الألعاب
الكيان ومنذ نشأته يقوم على ركائز عقائدية واستراتيجية لا يمكن إغفالها فجزء كبير من سياساته خاصة تجاه محيطه الإقليمي مبني على تأويلات دينية وردت في كتبهم المقدسة مثل سفر التثنية الذي يبرر حصار المدن وإخضاعها مما ينعكس حتى اليوم في ممارسات الاحتلال وسياسات الحصار والتجويع والعزل.
لكن الأعمق من ذلك هو استراتيجية “الفتنة” كأداة سياسية ثابتة فإسرائيل تتقن استخدام مبدأ فرّق تسد وتسعى دائمًا لإشعال الخلافات بين دول الجوار واستثمار التباينات السياسية أو الإعلامية لصالحها فتظهر في النهاية كـ”الوسيط” أو “الرابح” الوحيد من صراع لم تكن جزءًا من ألمه، لكنها كانت جوهر هندسته.
في الوقت الذي يقف فيه أسود مصر الأبطال على الحدود، ساهرين بعزيمة لا تلين مدافعين عن كل ذرة من تراب هذا الوطن وجب علينا ان نُذَكّر الجميع قبل أن يفكر أي شخص في مجرد الاقتراب من أمن مصر القومي عليه أن يُفكر مرارًا وتكرارًا
زعزعة الأمن القومي المصري ليست مجرد تهديد لدولة بل هي زعزعة لأمن واستقرار الشرق الأوسط بأكمله فمصر بتاريخها وموقعها وثقلها هي صمام أمان هذه المنطقة ومن يظن أن بإمكانه اللعب بخيوط أمنها فهو لا يُدرك حجم التبعات ولا يقدّر حجم النار التي يعبث بها.
و ختاما مهما تآمر الكائدون ومهما حاول الحاقدون زعزعة أمن هذا الوطن العظيم تبقى كلمة الحق فوق الجميع ويبقى الحق ظاهرًا لا يُطمس فهذه مصر التي ذكرها الله في كتابه العزيز فقال ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ