رئيس جامعة الأزهر: آيات الحج تبدأ بحكم المُحصَر لـ بشرى إلهية
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن أول حكم ذكره الله تعالى في الآيات التي نُظّمت فيها أحكام الحج هو حكم "المُحصَر"، أي من أُحصر أو مُنع من الوصول إلى مكة المكرمة، رغم إحرامه ونية حجه أو عمرته، وهو ما يستدعي التأمل والتدبر.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر الشريف، خلال تصريحات تلفزيونية، أن افتتاح آيات الحج بذكر من مُنع من الوصول إلى بيت الله الحرام، رغم الأشواق والاستعداد، يحمل دلالات عميقة؛ أولها أن القرآن الكريم بدأ مع الناس من واقعهم، فعدم الوصول سابق للوصول، فبيّن حكم من أُحصر أولًا، ثم انتقل إلى أحكام من بلغ البيت وأدّى المناسك.
أحكام الحج
وأشار إلى أن تعبير القرآن بـ"فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ" استخدم "إن" الشرطية، والتي تدل في اللغة على الأمر القليل الحدوث أو غير المتوقَّع، بينما عبّر عن الوصول بـ"فَإِذَا أَمِنتُمْ"، مستخدمًا "إذا" الدالة على اليقين والوقوع المؤكد، وكأن القرآن يزفّ بشرى ضمنية لكل من نوى وأحرم، أن الوصول إلى بيت الله أمر محقق، وما دون ذلك من موانع فهو نادر.
وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن تقديم حكم "المحصر" أيضًا يشير إلى أن هذا الحكم لا يترتب عليه تفاصيل كثيرة، بخلاف من وصل إلى مكة، فعليه أحكام الطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمنى ومزدلفة وغير ذلك، مما يعكس التدرج القرآني في تناول الأحكام.
وتابع: "القرآن الكريم هنا لا يعطينا فقط حكمًا فقهيًّا، بل يملأ القلب رجاءً ويقينًا أن الله ييسّر السبل لعباده، وأن من عزم وأحرم بنية صادقة، فإن بلوغ البيت العتيق أمرٌ بفضل الله محقق، والعقبات استثناءات لا تُذكر أمام فضل الله وكرمه".
كما قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن استخدام القرآن الكريم لعبارة "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ" جاء بصيغة المبني للمفعول، وهو ما يُعرف اصطلاحًا في اللغة بـ"المبني للمجهول"، ولكن تأدبًا مع القرآن الكريم لا يصح أن نقول "مبني للمجهول"، لأن الفاعل الحقيقي هنا معلوم وهو الله سبحانه وتعالى، جل جلاله، الذي يقدر الأقدار ويبتلي من يشاء لحكمة.
وأضاف رئيس جامعة الأزهر الشريف، أن هذا التعبير القرآني الدقيق يدل على أن المنع من الحج أو العمرة لا يكون إلا بقَدَرٍ من الله، ولذلك نستخدم عبارة "مبني للمفعول" بدلًا من "مبني للمجهول"، لأن الله ليس مجهولًا، بل هو معلوم، حاضرٌ بحكمته، فاعلٌ بإرادته.
وأشار رئيس جامعة الأزهر إلى أن بناء الفعل للمفعول "أُحْصِرْتُمْ" يدل على أن أسباب الإحصار متعددة، وقد يكون بسبب مرض، أو عدو، أو ضياع الراحلة، أو نفاد الزاد، أو أي عائق يحول دون إتمام النسك، مما يفتح الباب أمام اجتهادات المفسرين لفهم أوجه الإحصار التي شملها النص القرآني.
وتابع: "تأملوا هذا الانتقال العجيب في نفس الآية من ضيق الإحصار إلى يسر الهدي، فقال: "فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ"، ففي كلمة "أُحْصِرْتُمْ" دلالة على العسر والضيق، بينما في "فما استيسر" بشارة باليسر والفرج، وهذا هو سُنن الله في الابتلاء والرحمة، كما قال تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".


