وزير الزراعة اللبناني: نسعى للتكامل مع مصر.. وحجم الخسائر الزراعية نتيجة العدوان الإسرائيلي بلغ 800 مليون دولار | حوار
التعاون بين مصر ولبنان لا يقتصر فقط على علاقات دبلوماسية أو تجارية، في زمن تتشابك فيه التحديات الإقليمية مع الأزمات الاقتصادية، وهنا يبرز دور التكامل العربي في كثير من المجالات وبخاصة الزراعي لتعزيز مفهوم الأمن الغذائي للشعوب العربية في ظل تفاقم مشكلات المياه والتصحر والتغيرات المناخية، بل يتجاوزها إلى شراكة استراتيجية تتجدد مع كل لقاء رسمي.
وتأتي زيارة وزير الزراعة اللبناني الدكتور نزار هاني إلى القاهرة، لتحمل في طياتها الكثير من الرسائل، ليس فقط حول الصادرات والواردات، بل أيضًا في رؤية أعمق للتكامل الزراعي، والاستفادة من الخبرات المتبادلة، وتحويل الفائض إلى قيمة مضافة عبر التصنيع الغذائي، تجسيدا للمباحثات الجادة بين قيادتي البلدين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي واللبناني جوزيف عون، وهو ما يتم ترجمته على أرض الواقع مع الوزرات المعنية والمسؤولين.
“القاهرة 24" أجرى حوارًا مطولًا مع الوزير اللبناني، لفتح الملفات الأكثر أهمية، من واقع التعاون الزراعي وحتى القضايا التي تمس حياة المواطن اللبناني والمصري على حد سواء، وكذلك التطرق إلى آثار الخسائر التي شهدها القطاع الزراعي في بيروت خلال الاجتياح الأخير للاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية.
وإلى نص الحوار:
تأتي زيارتكم في إطار انعقاد اللجنة الزراعية المصرية المشتركة بين مصر ولبنان.. حدثنا أكثر عنها
نعم، هذا هو المحور الأساسي من الزيارة، وخلال لقائي مع وزير الزراعة المصري علاء فاروق، ناقشنا كثيرًا من آفاق التعاون في مختلف المجالات الزراعية، من تبادل الخبرات إلى تفعيل المشروعات المشتركة، بما يخدم المزارع اللبناني والمصري على حد سواء، وكذلك إعادة الروح مرة أخرى لعمل اللجنة الزراعية المشتركة بين البلدين والتي انعقدت في دورتها الخامسة، خاصة وأنها كانت متوقفة منذ عام 2017، ونحن اليوم نعيد تفعيلها لتجديد العلاقة وتسريع العمل ببروتوكولات التعاون، سواء على مستوى التبادل التجاري الزراعي والحيواني.
ما أبرز ما تم مناقشته خلال اجتماع اللجنة الزراعية المصرية اللبنانية؟
خلال اجتماعات اللجنة المشتركة، جرى بحث جميع ملفات التعاون والتكامل الزراعي بين مصر ولبنان، بهدف تعزيز الأمن الغذائي للشعبين ومواجهة التحديات المشتركة، ومنها التعاون في المحاصيل الاستراتيجية والإنتاج النباتي، والبحوث العلمية الزراعية، وتبادل الخبرات لمجابهة تلك التحديات، ومنها التغيرات المناخية والتعاون في مجال الإنتاج الداجني والحيواني والسمكي.
كيف ترى مستوى التعاون والتواصل مع المسؤولين بمصر؟
هناك حرص كبير على أعلى المستويات في البلدين لدعم مسيرة التعاون بين البلدين في كافة المجالات وخاصة الزراعي، وهو ما تجسّد بوضوح خلال زيارة الرئيس جوزيف عون إلى مصر في مايو الماضي، والمباحثات الجادة التي جرت مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وآخرها أمس الأربعاء، زيارة الدكتور نواف سلام رئيس مجلس الوزراء اللبناني والوفد المرافق له.
ولا بد هنا من توجيه الشكر لمصر ولوزير الزراعة علاء فاروق، على التعاون البناء معنا ورؤيته الثاقبة في إدارة الحوار وحرصه على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة ودائمة للعمل على تذليل أي تحديات أو عقبات كافة بما يضمن سرعة وفعالية التعاون، وبما يخدم التكامل الزراعي بين البلدين ويحقق مصالح الشعبين.
ما جديد ملف التبادل التجاري الزراعي واستيراد وتصدير الحاصلات الزراعية بين البلدان؟
هذا الملف كان حاضرًا بقوة، حيث جرت مناقشات حول تطوير آليات تضمن أن تكون السلع الزراعية المتبادلة بين البلدين آمنة وخالية من الآفات، مع تبسيط الإجراءات لتسهيل حركة التبادل وعدم عرقلتها.
ويحظى التفاح اللبناني بأهمية خاصة في السوق المصرية، وهو ما استدعى عقد لقاءات مع كبار المستوردين المصريين واللبنانيين للتأكيد على جودة الإنتاج، والالتزام بالاستخدام الآمن للمبيدات، وتشديد الرقابة بما يضمن وصول منتج صحي وآمن إلى المستهلك، وفي المقابل، البطاطس المصرية والعنب وغيرها لديها قبولا كبيرا لدى المستهلك اللبناني.
تظهر الأرقام الرسمية ارتفاع قيمة التبادل التجاري بين مصر ولبنان إلى مليار دولار خلال 2024.. كيف ترى هذا النمو خاصة بالمجال الزراعي؟
الميزان التجاري بين مصر ولبنان يميل لصالح القاهرة، إلا أن حجم التبادل بين البلدين يُعد كبيرًا ومتنوعًا، إذ بلغ ما يقارب 120 مليون دولار في المجال الزراعي فقط، ولبنان يستورد من مصر سلعًا أساسية مثل البطاطس، المانجو، الأسماك، إلى جانب التعاون المتنامي في قطاع الأسمدة.
وهناك مساعٍ حثيثة لتعزيز الصادرات الزراعية اللبنانية إلى السوق المصرية، لا سيما في الفاكهة الموسمية وعلى رأسها التفاح والكرز والكيوي وغيرها، بما يسهم في تحقيق توازن أكبر داخل الميزان التجاري.
كيف ترون فرص التكامل الزراعي في ظل التغيرات المناخية والتحديات الإقليمية؟
مصر بلد زراعي ضخم، ولا تبعد عن لبنان سوى ساعتين أو 3 بحرًا، ما يجعل فرص التعاون والتكامل الزراعي كبيرة للغاية، وفي لبنان نعمل على إعادة رسم الخريطة الزراعية استنادًا إلى المعطيات العلمية وتحديات التغير المناخي، ونحن بحاجة إلى تعديل أنماط الزراعة والمحاصيل لتتلاءم مع المناخ الجديد، وهذا يتطلب تعاونًا إقليميًا واسعًا.
مع مصر تحديدًا، يمكن أن نتعاون في بعض المحاصيل التي يسهل إنتاجها في مصر بدلًا من لبنان، أو العكس، بما يخدم أمننا الغذائي المشترك، وكذلك فتحنا مجالات تعاون جديدة في قطاع الإنتاج الحيواني، حيث تمر الأبقار المستوردة من إفريقيا عبر مصر للحجر الصحي قبل توجهها إلى لبنان، وهو ما يوفر حماية أكبر من الأمراض، ووصلت شحنتان كبيرتان من الأبقار بالفعل، (حوالي 1500 رأس لكل شحنة)، وهذا يعكس نجاح التعاون.
إلى جانب ذلك، يمكن أن يكون لمصر دور محوري كبوابة للبنان نحو إفريقيا والأسواق العالمية، بينما تستفيد مصر من خبرة لبنان المتقدمة في الصناعات الغذائية، ونحن نتطلع أن يكون هذا التعاون بداية مرحلة جديدة من الشراكة الإيجابية التي تنعكس على الأمن الغذائي في البلدين وفي المنطقة ككل.
كيف تقيمون نتائج زيارتكم لعدد من مشروعات التنمية الزراعية بمجال الإنتاج الحيواني والسمكي بالإسكندرية؟
كنت أتابع تطور الزراعة المصرية عبر القراءة، لكن الواقع فاق التوقعات، وأمس اطلعنا على نماذج مبهرة للتجارب الزراعية في مصر، شاهدنا مشاريع متقدمة في تربية الأبقار والتلقيح الاصطناعي، وما تحقق من إنتاجية عالية ونوعية مميزة للألبان ومشتقاتها، وكذلك اطلعنا على مشروعات الاستزراع السمكي ورأينا فراخ الأسماك “الزريعة” التي ستُرسل إلى لبنان ضمن مشروع مشترك مع منظمة الفاو ووزارة الزراعة المصرية، وهذا التعاون يعكس مستوى الشراكة الوثيقة بين بلدينا.
كما اتفقنا على خطوات مستقبلية، منها عقد اجتماع موسّع في ديسمبر يضم المصدرين والمستوردين والمستثمرين الزراعيين، يعقبه في يناير مؤتمر استثمار زراعي في بيروت ضمن خطة عشرية لوزارة الزراعة اللبنانية، ونتطلع أن يشارك فيه مستثمرون مصريون إلى جانب اللبنانيين.
ما حجم الخسائر التي تكبدها القطاع الزراعي اللبناني نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير؟
وفق تقييم مشترك مع منظمة الفاو، تعرضت حوالي 350 قرية لبنانية زراعية بامتياز – سواء في الجنوب أو البقاع الشمالي أو غيرها – لأضرار جسيمة، والخسائر والأضرار مجتمعة بلغت نحو 800 مليون دولار، منها 180 مليون دولار أضرار مباشرة مثل تدمير البيوت البلاستيكية “الصوب” وقنوات الري والبنية التحتية الزراعية، أما الخسائر فهي مرتبطة بالمواسم التي لم يتمكن المزارعون من جنيها أو زراعتها خلال العدوان.
كيف ستتعاملون مع تلك الخسائر لإعادة النهوض بالقطاع الزراعي وعودته للعمل بكامل طاقته؟
نحن الآن نعمل مع شركائنا والجهات المانحة على خطة لإعادة تأهيل القطاع الزراعي ضمن عملية إعادة إعمار لبنان، حتى يستعيد القطاع دوره الأساسي في الاقتصاد الجنوب اللبناني، حيث وضعنا خطة للتعافي بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة الفاو، وتصل مدة تنفيذها لنحو 3 سنوات وهو ما يؤكد حجم الأضرار والخسائر التي تسبب بها الاحتلال خلال عدوانه.
وعقدنا لقاءات مع المسؤولين والمستثمرين والمصدرين في مصر، وأكدنا أن الوضع في لبنان يتجه نحو مرحلة من التعافي والأمل والبناء للمستقبل، وهي رسالة هامة للجميع وخاصة المستثمرين والمستوردين والمصدرين لاسيما في القطاع الزراعي.
ختامًا.. ما هي رسالتكم للشعب المصري؟
لبنان قريب جدًا من مصر، فقط 40 - 50 دقيقة بالطائرة، وهو بلد محبوب لدى المصريين، خاصة لدى الأجيال التي اعتادت السفر إلى بيروت لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، ونحن ندعو المصريين لزيارة لبنان من جديد، سواء للسياحة أو للاستثمار، ونطمئنهم أن الظروف تتحسن وأن المستقبل سيكون أفضل.


