مهندس برج خليفة.. محمد العبار من دبي إلى بناء إمبراطورية عقارية عابرة للقارات
تعكس سلسلة المشاريع الخارجية التي يقودها رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، أحد أبرز وجوه التطوير العقاري في الخليج، توجه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى توسيع حضورها الاقتصادي خارج حدودها.
محمد العبار من دبي إلى بناء إمبراطورية عقارية عابرة للقارات
فخلال جولة في منتجع شاطئي فاخر بمصر استغرق بناؤه أكثر من عشر سنوات، توقف العبار مرارًا لالتقاط الصور مع الزوار الذين تعرّفوا إليه، هذا المشهد، كما تصفه صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقريرها الصادر الثلاثاء، يعكس التحول المتنامي في صورة العبار على الساحة الدولية، إذ يدخل مرحلة جديدة من مسيرته الممتدة على مدى عقود، بوصفه المهندس الرئيسي وراء برج خليفة ودبي مول، وهما من أبرز رموز النهضة العمرانية في دبي والعالم.

بعد أن ارتبط اسمه ببناء ملامح دبي الحديثة، انطلق العبار في جولة توسع دولي جديدة عبر تأسيس وتنفيذ مشروعات ضخمة تمتد من الساحل الشمالي المصري إلى صربيا ومدغشقر، في تجسيد واضح للرؤية الإماراتية الساعية إلى تعزيز الحضور الاقتصادي خارج البلاد.
يرى العبار أن الإمارات، رغم صغر مساحتها، قادرة على تحقيق حضور اقتصادي عالمي من خلال الاستثمار في أسواق غالبًا ما يغيب عنها المستثمرون الغربيون، مؤكدًا أن هذا التوجه يعزز فرص النمو والتنويع الاقتصادي.
ويقود العبار حاليًا شركة "إيجل هيلز" للاستثمار العقاري، وهي صندوق خاص مدعوم من عائلات ثرية في أبوظبي. كما يمتلك مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة الأغلبية في شركة أمريكانا، أكبر مجموعة مطاعم للوجبات السريعة في المنطقة.
وفي عام 2016، أسس شركة التجارة الإلكترونية نون لمنافسة أمازون في الشرق الأوسط، إضافة إلى رئاسته مجلس إدارة بنك "زند" الرقمي في الإمارات، وإدارته مجموعة إعمار المدرجة في البورصة والمشغلة لعدد من المراكز التجارية والفنادق الكبرى.
ورغم أنه يُعرف بشخصيته المستقلة، فإن العبار يُعد من القلائل من خارج الأسر الحاكمة الذين يحظون بعلاقات وثيقة مع دوائر صنع القرار في الإمارات، إذ يشغل موقعًا مقربًا من حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كما يرتبط بعلاقات مميزة مع القيادة في أبوظبي، ويرافق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في بعض زياراته الخارجية.
ويصفه المقربون بأنه منفتح ثقافيًا ودقيق في عمله، ولا يقبل الحلول السطحية، بل يصر على الغوص في التفاصيل. وقد أسهمت الطفرة العقارية التي شهدتها دبي، المدفوعة بتوسع سكاني وتدفق كبير للأجانب، في تعزيز مكانته كأحد أبرز رواد التطوير في المنطقة.
بدايات متواضعة
تسرد فايننشال تايمز بدايات محمد العبار المتواضعة، إذ وُلد لأسرة بسيطة مكونة من 13 طفلًا، وكان والده قبطانًا لسفينة شراعية تحطمت مرتين. نشأ في بيت صغير مكوّن من غرفتين وفرّته الدولة، وكان يتقاسمه مع بقرتين. لا يحب العبار لقب "الملياردير"، ويرى أنه يتنافى مع التقاليد الإماراتية المتحفظة، مؤكدًا انتماءه لجذوره الشعبية.
تخرّج العبار عام 1981 في جامعة سياتل الأمريكية بمنحة من حكومة الإمارات، وبدأ مسيرته في البنك المركزي، قبل أن يُعيّن مديرًا لشركة استثمارية تابعة لدبي في سنغافورة، حيث اكتسب خبرة واسعة في أسواق التجزئة والمراكز التجارية.
ومع عودته إلى دبي مطلع التسعينيات، أسس دائرة التنمية الاقتصادية وأدار عددًا من الشركات الحكومية، قبل أن يؤسس شركة إعمار عام 1997 بدعم مباشر من الشيخ محمد بن راشد.
بين المدح والانتقاد
رغم نجاحاته البارزة، واجه العبار فترات صعبة، أبرزها خلال الأزمة المالية العالمية حين انهارت سوق العقارات في دبي، وتكبد خسائر في استثمارات خارجية.
كما وُجهت إليه انتقادات من بعض شركائه الذين وصفوا أسلوبه الإداري بأنه حاد ومسيطر، غير أن محللين يؤكدون أن سجله في تنفيذ المشروعات الكبرى ظل أقوى من منافسيه، ما ساعده في الحفاظ على مصداقيته بعد الأزمات.
ما بعد دبي
اليوم، يتجه العبار نحو مرحلة جديدة من التوسع الدولي، حيث تمتلك إعمار مشاريع في مصر والهند، بينما تطور إيجل هيلز واجهات بحرية ومشروعات عقارية بمليارات الدولارات في بلغراد وريغا وألبانيا، إضافة إلى فنادق في كرواتيا وميونيخ ومسقط.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت عن استثمار ضخم بقيمة 5.5 مليار دولار في جورجيا. كما يخطط العبار لإقامة منتجع فاخر في مدغشقر، ومشروعات كبرى في الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية.
إلا أن هذا التوسع لم يخلُ من الجدل؛ فقد وُجهت انتقادات إلى مشروع مراسي في مصر بسبب ارتفاع أسعاره وإقصائه للطبقات المتوسطة، كما أُثيرت اعتراضات على مشروعاته في صربيا وألبانيا بدعوى غياب الشفافية في العقود، ويرى منتقدون أن شركاته تعمل أحيانًا كأدوات للقوة الناعمة الإماراتية.
وفي المقابل، يؤكد العبار أن جميع العقود تمت عبر جهات تدقيق مستقلة، وأن مشروعاته تهدف إلى خلق فرص عمل وتنمية اقتصادات الدول المضيفة، مستشهدًا بتجربة الإمارات التي تحولت خلال خمسين عامًا من دولة فتية إلى قوة اقتصادية مؤثرة.
فلسفة العمل
يشتهر العبار بإدارته الصارمة وانضباطه الدقيق، إذ يراقب التكاليف إلى أدق التفاصيل، ويمنع الاجتماعات غير الضرورية، ويشدد على الإنتاجية. يصف نفسه بأنه "حذر ومتيقظ"، ويعزو هذا إلى تجربته في سنغافورة وتأثره بالإدارة الآسيوية الصارمة.
ورغم حبه للانضباط، يقول المقربون إنه بات أكثر وعيًا بالبعد الإنساني في أعماله، ويحرص على أن تسهم مشروعاته في تطوير المجتمعات وتحقيق ما يسميه جزر التميز.
وفي مشهد يلخص شخصيته، شوهد العبار واقفًا على سطح أحد فنادق مراسي المطلة على البحر المتوسط، يراجع تفاصيل المكان بحثًا عن تحسينات إضافية، بعد أن قرر تغيير الزهور لأن ألوانها لم تعجبه، وكان قد وصل لتوه من أنغولا بعد توقيع اتفاقيات تجارية هناك.
ورغم انشغاله الدائم، يؤكد العبار أنه يعيش ذروة مسيرته المهنية، متنقلًا بين مشروعاته في إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، يرى نفسه محظوظًا لأنه ما زال يبني، ويخطط، ويبتكر في كل يوم.


