الأربعاء 10 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

على الأصل دوّر

 طيار كريم جميل سعيد
مقالات
طيار كريم جميل سعيد
الإثنين 03/نوفمبر/2025 - 09:23 م

خلال السنوات الأخيرة ظل سؤال هل مصر آمنة؟ كواحد من أكثر الأسئلة تداولا في الإعلام الدولي، خاصة مع التقلبات الإقليمية الكبرى في الشرق الأوسط، وتحول المنطقة إلى بؤرة صراعات، ومع ذلك يلاحظ أن عددا كبيرا من التقارير الأجنبية خصوصا الأوروبية قدم قراءة إيجابية عن واقع الأمن داخل مصر، ووضع الدولة على قائمة البلدان الأكثر استقرارا.

وبمطالعة تغطيات صحف أوروبية مثل BBC، The Independent، DW الألمانية، وEuronews خلال العامين الماضيين بالأخص، أشارت بوضوح إلى أن مصر استطاعت الحفاظ على الاستقرار الداخلي وأن المدن السياحية مثل القاهرة، الجيزة، الأقصر، والغردقة، وغيرها من المدن التي أصبحت تستقبل ملايين السائحين بعد سنوات من التراجع، وقد ربطت هذه التقارير بين عودة السياحة وانتعاش الفنادق والطيران وبين ثقة المجتمع الدولي في قدرة الدولة على تأمين حدودها ومواقعها الاستراتيجية.

 
ثم جاء افتتاح المتحف المصري الكبير ليحول هذا الاستقرار إلى صورة مرئية للعالم كله، فبينما تتناقل القنوات العالمية مشاهد الافتتاح كانت الرسالة الأعمق ليست فقط “عرض آثار”، بل إعادة تقديم مصر كحضارة حية، لا كصفحات في كتاب التاريخ؛ ما جعل العالم ينبهر، وهذا الانبهار لم يكن أثريا فقط، بل حضاريا وسياسيا واقتصاديا، ويكفينا فخرا أن تقارير الصحافة الأوروبية والعالمية تشير إلى أنه أضخم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين.

افتتاح هذا الصرح في هذا التوقيت بالذات، لم يكن حدثا عاديا، بل رسالة أن مصر تذكر العالم بأنها أصل كل حكاية، وأن كل حضارة مهما بلغت لها بداية، والبداية كانت هنا وإعادة تقديم مصر كحضارة حية، قادرة على صناعة المستقبل كما صنعت الماضي.
الحضارة المصرية ليست متحفا فقط، بل فكرة، وإذا كانت هناك قصة للتاريخ الإنساني، فلا بد أن يكون هناك أصل، وكل أصل له أرض وهذه الأرض هي مصر، بعد 13 سنة من أصعب فترات مصر في العصر الحديث، التي اثبتت أن مصر استثنائية في منطقة تغيرت جذريا من دول انهارت إلى أخرى تفككت، وجماعات مسلحة ظهرت، ثم حدود اخترقت إلى حروب بالوكالة، وتدخلات إقليمية ودولية وانتشار الإرهاب في الشرق الأوسط وحدود مشتعلة.

 
ورغم ذلك، لم تسقط الدولة، ولم تتفكك مؤسساتها، ولم تعش مصر سيناريوهات الفوضى كسيناريو بعض دول الجوار، هذه الحقيقة وحدها، كانت محورا لتقارير في الصحافة الأوروبية تحدثت عن "الاستثناء المصري"، حتى الوصول إلى مشهد اعتبره على رأي النقاد السينمائين “ماستر سين” وهو مشهد زعماء وملوك وأمراء العالم يتوسطهم الرئيس المصري أمام المتحف المصري الكبير، صورة تلخص رحلة دولة عبرت أخطر مرحلة في تاريخ المنطقة وخرجت واقفة، صورة كهذه لا تصنع بالصدفة ولا تأتي بتجميل إعلامي ولا تحدث في دولة مرتبكة أو فاقدة لبوصلتها.

ما جعلني اسأل نفسي كيف وصلت مصر إلى هذه اللحظة؟ بل أصبح السؤال الحقيقي أي طريق سلكت مصر لتصل إلى مشهد يقف فيه زعماء وملوك ورؤساء العالم أمام المتحف المصري الكبير، يتوسطهم رئيس الدولة على أرض كان يراد لها أن تنكسر؟
 

هذا المشهد لا يصنعه الحظ ولا يهبه التاريخ مجانا، ولا تمنحه الجغرافيا بفضيلة المكان، إنه ثمرة قرار ورؤية وإرادة دولة عرفت أن أمنها لا يعني حراسة حدود فقط، بل بناء وطن قادر على الحياة والصمود والنمو، وشهادة دولية بأن هذه الدولة اختارت البناء حين اختار غيرها الصراع.
 

وختاما من يعرف أصله يعرف طريقه، وعلى الأصل دوّر، وأنتِ يا مصر أصل الحكاية.

تابع مواقعنا