نحن وشات جي بي تي 11: العقد الاجتماعي الرقمي بموظف لا ينام
هل تتخيل أن تبحث عن وظيفة فتجد أن منافسك ليس بشرًا بل وكيل ذكاء اصطناعي قدّم سيرته الذاتية قبل أسبوع من إعلان الوظيفة؟ هل يمكن أن تُجري مقابلة عمل وتكتشف أن المُقيّم ليس مدير توظيف، وإنما نموذج دربته الشركة على معاييرها الداخلية بدقة؟ فهل يتحول سوق العمل من ميدان للكفاءات إلى مختبر لاختبار من يتقن الاندماج مع الذكاء الاصطناعي أكثر مما يتقن أداء المهمة؟
إذن تغيرت هوية رأس المال البشري فمعيار المهارات لم يعد بشهاداتك أو خبرتك، بل بمدى توافقك مع وكلاء الذكاء الاصطناعي، أي أن القيمة السوقية للفرد باتت تُحسب بمؤشر جديد؛ من يمتلك AIQ منخفضًا أي ذكاء بالتعامل مع وكيل الذكاء الاصطناعي، ومهما كانت خبرته سيصنف تلقائيًا في الفئة المعرضة للاستبدال التلقائي، والسؤال هل يتحول مفهوم التوظيف من عقد بين إنسان وشركة إلى اشتراك بين مدير ووكالة رقمية تُزوده بـ فريق ذكي جاهز؟
سوف نجد أن الذكاء الاصطناعي تجاوز دوره المعتاد كخدمة تُشترى إلى كائن اقتصادي يُوظف، وهنا تظهر حزمة القوى العاملة الذكية اصطناعيًا من أمازون وأوبن إيه آي، عبارة عن وكلاء مصنّعين جاهزين مثل محاسب أو مسوّق أو مبرمج أو مساعد إداري، يُقدمون عبر اشتراك شهري ويُدرجون في الهيكل التنظيمي كـ موظفين رقميين، وقد يحملون أسماء بشرية مثل زياد أو نورا أو فراس، ومدربين على اللهجات المحلية ويكتبون التقارير بلغة لا تُميزها عن زملائهم البشر، وحتى بعض العقود الجديدة ستدرَج فيها بنود مثل؛ يحق للشركة تفعيل الوكيل البديل في حال انخفاض مؤشر الثقة بالذات لدى الموظف البشري إلى أقل من 60%.
وبالتالي أصبح النموذج الاقتصادي الذي يُروّج له كحرية اختيار حيث الشركات حرة في توظيف بشر أو وكلاء ذكاء اصطناعي، تكريسًا لداروينية رقمية قاسية أي البقاء للأقوى والأنسب، ويتحول سوق العمل لساحة صراع غير متكافئ بين كائنات بيولوجية محدودة القدرات وكائنات رقمية لا تعرف الإرهاق، مما يسبب بزلزال في توزيع الثروة والسلطة في المجتمع بشكل جذري، ولا سيما الطبقة الوسطى التقليدية من المحامين والمحاسبين والمعلمين وغيرهم، الذين سيجدون أنفسهم فجأة في أدنى الهرم المالي ومُهددين بالإقصاء من سوق عمل يُفضل الكفاءة الخوارزمية على الخبرة البشرية.
العقد الاجتماعي الجديد لن يكون بين البشر والدول بل بين البشر والخوارزميات!!


