الخميس 11 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

عندما تختلّ المعايير وتصبح المقارنة غير منصفة

الأربعاء 19/نوفمبر/2025 - 05:57 م

أثار الإعلامي معتز عبد الفتاح في إحدى تصريحاته الأخيرة موجة واسعة من الجدل بعدما أقدم على مقارنة غير موفّقة بالمرة بين الرئيس الراحل أنور السادات وبعض القوى المثيرة للجدل في المنطقة!! هذه المقارنة لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها اختلالًا واضحًا في المعايير التاريخية والسياسية وتهميشا  لتجارب عميقة شكّلت وجدان الشعوب ومسار دولها.

فالسادات رغم اختلاف البعض حول سياساته وقراراته يظل أحد أبرز القادة في التاريخ المصري الحديث فهو الرجل الذي خاض حرب أكتوبر وأسهم في تحقيق نصر عسكري أعاد لمصر والعرب الثقة والكرامة وغيّر قواعد الصراع العربي ـ الإسرائيلي؛ وهو أيضًا صاحب قرار السلام الذي أنهى حالة استنزاف مرهقة للدولة والمجتمع وأعاد سيناء كاملة إلى السيادة المصرية وإنجازاته مُدوّنة في صفحات التاريخ، ثابتة في وجدان الملايين وُمعترف بها دوليًا ومحليًا سواء اتفقت أو اختلفت مع تفاصيل مسيرته.

وفي الجهة المقابلة فإن الأطراف التي جرى وضعها في مقارنة مع السادات تعيش واقعًا معقدًا تحيط به تساؤلات حول الشرعية والدور الإقليمي والعلاقة مع قوى العنف والإرهاب وعدم الاستقرار. الفارق هنا ليس مجرد اختلاف في الأسماء أو المواقع بل هو فارق جوهري بين رجل دولة قاد مؤسسات وطنية راسخة، وبين إرهابي بحثت عنه العدالة - لفترة حتى اختاره الأمريكان - يفتقر إلى الإجماع والاعتراف الدولي لعب معه القدر لعبته على طريقة الأفلام الأمريكية !! لذلك فإن مثل هذه المقارنة تُفقد التحليل الإعلامي جديته وتجعل منه أمرا سطحيا؛ فالإعلام ليس مجرد منصة لإطلاق الآراء بلا حساب بل هو جزء أصيل من صناعة الوعي وصياغة التاريخ في ذاكرة الجمهور - خاصة إذا كان إعلاما عربيا وليس مصريا والأمر يتعلق برئيس من رؤساء مصر - وعندما يتجرأ إعلامي على مساواة المتناقضين أو تذويب الفروق الجوهرية بين صناع الدولة وبين إرهابي فإنه بهذا يحمّل كلماته فقر المسؤوليات الأخلاقية والوطنية.

إن مناقشة التجارب التاريخية الكبرى تحتاج إلى دقة وحذر وتحتاج أيضا إلى فهم عميق للتفاوت بين من قدّم مشروعًا وطنيًا واضحًا، ومن لا تزال الأسئلة تلاحق دوره ومستقبله الوخيم؛ فالتاريخ ليس ساحة للمزايدات، بل مرآة حقيقية تعكس أدوار من حافظوا على الدولة وقاتلوا من أجلها.

وفي النهاية يبقى من حق الناس أن ينتقدوا ومن حق الإعلاميين أن يطرحوا آراءهم لكن دون خلطٍ يُشوّه الرموز الوطنية أو يقلّل من قيمة تضحياتهم؛ فالفارق كبير يا دكتور معتز بين السادات الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه، الأمر الذي جعل البيت الأبيض يستقبله كأسطورة حقيقية، وبين من اختار أن يدخل التاريخ من أبواب الدم وقَبِلَ أن يكون عميلا فدخل البيت الأبيض من بابه الخلفي!

تابع مواقعنا