الجمعة 12 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

في بيتي لجنة انتخابية

الأربعاء 10/ديسمبر/2025 - 12:42 م

أتذكّر ذلك اليوم الذي عدتُ فيه من محاضراتي بالجامعة وما إن دخلتُ من باب الشقّة وجدتُ على الأرض كراتين مرصوصة فوق بعضها تحمل اسم أحد أقاربي من بعيد وليكن أستاذ فلان الفلاني.

 كراتين الأستاذ فلان الفلاني تحتل الممر من باب الشقة إلى مدخل الصالون كأنها سهم يشير إلى الطريق، لا إراديًا توجّهتُ إلى الصالون فوجدتُ شنطة سفر كبيرة عليها اسم الأستاذ فلان الفلاني ثم حقيبة يد صغيرة كالتي يذهب بها أبي إلى المحكمة تحمل أيضًا نفس الاسم وكل ما خطر ببالي وقتها لوحات "انتخبوا مصطفي.. مصطفى خير من يمثّلكم" من فيلم إمبراطورية ميم؛ فذهبت إلى أمي في المطبخ أسألها إن كان الأستاذ فلان الفلاني قد رشّح نفسه في الانتخابات عندنا في البيت؟

لم أكن يومًا من المهتمّين بالانتخابات المحليّة ومَن فاز ومَن خسر إلا في إطار اهتمام أبي وأمي بالأمر ومناقشاتهما حول مرشحي الحزب الوطني وفوزهم بالدائرة في كل دورة، ثم حدث الموقف الذي أؤرِّخُ أنا به لبداية الزحف المجتمعي الجديد لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية حين صادفتُ مجموعة منهم بعد صلاة العيد في دار الأيتام الذي كنتُ متطوّعة به ويتوسّطهم رجل هادئ الملامح متّقد العينين يبدو عليه أنه مركز تحركهم جاء مهنّئًا الأطفال بالعيد موزّعًا الهدايا ثم نزل بحاشيته يلف المنطقة موزعا هدايا على الناس، ثم رشح هذا الرجل نفسه في الانتخابات وأخذ الدائرة من مرشح الحزب الوطني، كان هذا قبل 2011 بعدة سنوات. لكن الأمر أصبح من أول اهتماماتي في الأيام الأخيرة بعد أن جاء ابناي الأسبوع الماضي من المدرسة وقد قرر كلٌ منهما خوض الانتخابات المدرسيّة على نطاق الفصل وإذا بالبيت يتحوّل إلى مشهد ترشيح مصطفى في إمبراطورية ميم..

تناثرت اللوحات والألوان واحتدّت المناقشات وانتعشت الوعود، فطلبتُ من كليهما أن نتناقش نقاشًا جماعيًا قبل كتابة الوعود على اللوحات وتقديم العرض العلني أو ما يشبه خطبة الدعاية داخل الفصل، أعتقدُ أن تلك الوعود التي قدّمها ولديّ لو كانت قُدِّمَت لي أنا في طفولتي من مرشح الفصل كنت سأعتبرها أمورًا خرافية لا تكاد تحدث، أمَّا وقد أصبح هذا الجيل يحصل على الكثير من الامتيازات بشكل اعتيادي فإن المزايدة على هذا "الاعتيادي" تكاد تكون دربًا من المستحيل. 

تمحورت وعود أبنائي حول "زيادة وقت الــ بريك.. والذي هو بالفعل وقت كافي لأخد قيلولة، زيادة أيام اللعب والاحتفالات داخل الفصل.. والتي تحدث في الحقيقة مرة شهريًا على الأقل، زيادة الرحلات.. التي تشتكي الأمهات على جروب الماميز من عدم جدواها، إدخال نوعيات مختلفة من الأطعمة إلى الكافيتريا.. والتي تحتوي أصلا على سلطة فواكه وسلطة خضراوات وعصائر، إعادة جدولة الواجبات المنزلية وتقليلها بما يسمح بالمزيد من وقت الفراغ في البيت…. وهكذا.." تفهّمت أن الإتاحة في كل شيء تحصر الأفكار الجديدة في كلمة "زيادة كذا.. الإكثار من كذا" فلم يعد هناك شيء مبهر يمكن أن يُقدَّم لهذا الجيل ويشكّل إغراء ما.. لكنني كنتُ مخطئة!

بعد محاولات مُضنية مع أولادي لأمنعهم عن تقديم وعود لا يستطيعون الوفاء بها، وبعد دراسة ما يمكن ترتيبه مع إدارة المدرسة والمدرِّسين لكي تصبح وعودهم منطقية وأن يكون هناك قنوات اتصال لتنفيذها، أوصلتهم إلى المدرسة في يوم تقديم العروض الدعائية مصحوبين بدعواتي الحارّة التي لم أقدّمها لمرشّح انتخابي من قبل، وحين عادوا سألتهم عن اليوم كيف مضى وعن باقي العروض المقدَّمة وللأسف كانوا يشعرون بالإحباط بعدما تفاجأوا بأن مرشّحين آخرين وزّعوا أكياس شيبسي "ولولي بوب" على الفصل كله كي يستدرجوا تصويت الأطفال في الفصل! استقبلتُ الأمر بمزيج من التعجُّب والضحك والحزن ولولا تأثُّر ابنتي الشديد لسألتُها إن كانت زميلتها وزَّعت كيس الشيبسي كاملًا أم أن للتوزيع بقية ستوزّعها بعد التصويت؟

ظننتُ لفترات طويلة أن الارتقاء بمستوى المعيشة للفرد هو الضامن الأول لمواجهة المال السياسي وتحكمه في موازين القوى، واستبشرت خيرًا بإعادة الانتخابات الأخيرة في عدّة دوائر خاصة صعيد مصر الذي أنتمي إليه والذي تتجلّى فيه فعالية المال السياسي واستقطاباته نظرًا لتراجع الأحوال المادية للكثير من مواطنيه، ولم أتخيّل يومًا أن محاربة الرشوة الانتخابية لا بدّ أن تبدأ من الصغر كالنقش على الحجر. 

أشفق على صغاري وزملائهم ممن خاضوا التجربة بقلب بريء، وأعتقد مقدمًا أن نتيجة التصويت ستكون محسومة لأصحاب الشيبسي واللولي بوب، لكنني ممتنة لهذه التجربة التي سترفع الستار الأول بينهم وبين العالَم الحقيقي البعيد عن أفلام الكارتون والحواديت التي أحكيها لهم قبل النوم.

تابع مواقعنا