ما بين الست والملحد والحكم المبكر
في الأسابيع الماضية تصدّر فيلما “الست” و“الملحد” موجة كبيرة من الانتقادات رغم أن أيًا منهما لم يصل بعد إلى دور العرض وكأن بعض الأصوات قررت أن تُصدر الأحكام من العنوان فقط لا من المشاهدة وأصبحت الضجة تسبق الفيلم وكأننا في زمن تُهاجَم فيه الأعمال قبل أن تُرى !!
الهجوم على “الست” جاء هذه المرة بسبب أداء منى زكي بدعاية الفيلم وكأن مجرد وجودها في العمل سبب كافٍ لإشعال الجدل والغريب أن بعض المنتقدين تصرفوا وكأن الفيلم سيرة ذاتية مباشرة عن أم كلثوم متجاهلين أن وجود مخرج بحجم مروان حامد ومؤلف مثل أحمد مراد يعني أن العمل بالتأكيد لن يقدّم شخصية أسطورية بهذا الوزن دون الارتكاز على الحقبة التاريخية الأوسع التي تتجاوز حدود “سيرة شخصية” إلى قراءة زمنٍ كامل.
ولعل جزءًا من الهجوم على منى زكي ليس مرتبطًا بالفيلم نفسه بل امتدادًا لاعتراضات قديمة على ظهورها في فيلم على نتفليكس ذلك المشهد الشهير الذي أثار ضجة كبيرة في حينه فهناك من يبدو وكأنه ما زال ينتقم منها فنيًا ويرفض أي عمل تشارك فيه قبل حتى أن يعرف فكرته أو قيمته الفنية.
أما فيلم “الملحد” فقد واجه هجومًا أشد، فقط لأن العنوان يقترب من كلمة حساسة؛ كثيرون افترضوا أن الفيلم يروّج لفكرة معينة أو يتجاوز القيم رغم أن أحدًا لم يشاهد القصة أو يعرف طبيعة البناء الدرامي وهنا يجب التأكيد على أن الرقابة علي المصنفات الفنية وحدها هي الجهة المخوّلة بالحكم على أي عمل قبل عرضه وهي التي تراجع النص والصورة وتحدد ما يُعرض وما يُمنع وفق القوانين، أما الجمهور فليس مطلوبًا منه أن يكون حكما أو رقيبا.
فالهجوم المبكر لا يخدم الفن ولا يخدم الجمهور بل يخلق خوفًا يدفع المبدعين إلى تجنّب الموضوعات الجديدة ويجعل السينما حبيسة دائرة ضيقة لا تتغير والفن الحقيقي يا سادة يُشاهد أولًا ثم يُناقَش لا العكس.
والحقيقة أن الحكم العادل على أي فيلم لا يمكن أن يأتي من توقعات أو شائعات او ( جماعات ) بل من الشاشة نفسها حين تُطفأ الأنوار ويبدأ العرض.
ويبقى السؤال الأهم:
هل نسمح للسينما بأن تتنفس بحرية؟
أم نترك الضجيج يقتل الفيلم قبل أن يُولد؟!


