الملحد.. الله أكبر
كنت متحمسا جدا لمشاهدة فيلم الملحد منذ اللحظة الأولى، لأنني شعرت أنني، مثل الكثيرين، عشت تجربة يحيى في الفيلم، كثير من الناس يتأثرون بآراء الآخرين، يسمعون نصائح أو أفكارا خاطئة، أو يتعلمون من أشخاص غير صادقين أو مضللين، لينتهي بهم المطاف أحيانا بأسئلة عميقة وغريبة عن الحياة والدين قد تقود البعض نحو الإلحاد أو فقدان الثقة بمعتقداتهم، هذا الشعور جعلني متأكدا أن الفيلم لن يكون مجرد عرض سينمائي، بل تجربة صادقة تعكس صراعات حقيقية يعيشها كثيرون بصمت، ويمنح المشاهد مساحة للتفكير والتأمل في رحلته الداخلية بعيدا عن أي خطاب مباشر أو تبسيط سطحي للأحداث.
فحرصت أمس على حضور العرض الخاص لفيلم الملحد، وبعد مشاهدة ساعتين ونصف من السينما الممتعة، أحببت أن أشارك رأيي الشخصي كمتفرج، بعيدا عن كل الجدل الذي صاحب الفيلم منذ الإعلان عنه، الفيلم بالفعل مختلف وجريء، لكنه ليس كما يصوره البعض؛ فهو بعيد تماما عن أي دعوة للإلحاد أو الإساءة للقيم الدينية، بل على العكس، يفتح أبواب التفكير والحوارات حول الإنسان قبل العقيدة.
أول شيء لاحظته هو قوة السيناريو، إبراهيم عيسى كتب قصة متقنة مليئة بالصراعات النفسية والفكرية لشخصيات الفيلم، لكن بطريقة ذكية لم تشعر المشاهد بأي شعور بالتلقين أو التوجيه كل شخصية هنا لها مساحة لتتنفس، ولها خياراتها، ولها صراعاتها الخاصة التي تجعلك تتعاطف معها، أو على الأقل تفهم دوافعها.
أكثر ما أعجبني هو قدرة الفيلم على طرح الأسئلة دون إجبار المشاهد على الإجابة، يطرح أسئلة عن الحرية الشخصية، عن الصدق مع النفس، عن مواجهة المجتمع لأفكار مختلفة، كل ذلك ضمن إطار درامي مشوق، شعرت وأنا أشاهد الفيلم أن كل مشهد تم تصميمه بعناية ليجعلني أفكر وليس فقط أتابع الأحداث.
الفيلم لم يتوقف عند الصراع الفكري فقط، بل طرح قضية إنسانية مؤثرة جدا، وهي التبرع بالأعضاء، ففي أحداث الفيلم، نجد شخصية محمود حميدة، الأب المتعصب والمتطرف، هو الذي يحتاج للتبرع، لكنه يرفض أن يقبل نقل كلية له من أهله، في مشهد صادم ينتهي بوفاته، اللحظة هذه تقشعر لها الأبدان، لأنها تظهر كيف يمكن للتعصب والجمود الفكري أن يدمر الإنسان من الداخل قبل أن يمسه الموت، المشهد أكثر من مجرد حدث درامي، فهو صوت حقيقي للإنسانية التي تتجاوز العقائد والتطرف، الفيلم أيضا يذكرنا بالواقع المعاصر، إذ أشارت دار الإفتاء إلى جواز التبرع بالأعضاء، مما يجعل الفيلم واقعيا ومرتبطا بمجتمعنا، ويطرح سؤالا مهما لكل مشاهد: إلى أي مدى يمكن للتمسك بالمعتقدات الضعيفة التي ليس لها أي نص قرآني أو أحاديث عن رسولنا الكريم؟
أحد أبرز الأسئلة التي صاحبت الفيلم منذ الإعلان عنه كان: هل الملحد يروج للإلحاد؟، والإجابة جاءت بشكل واضح وجريء في الفيلم، حيث تبددت كل الشكوك حول الرسالة التي يحملها العمل، وعكس صراع الإنسان مع نفسه ومع الحياة ويدعو للتفكير وليس للتحريض على المعتقدات.
الفيلم بعيد كل البعد عن الإثارة أو الصراخ من أجل الجدل صحيح أن عنوانه مثير للانتباه، لكن بعد المشاهدة، تدرك أن العنوان مجرد نقطة انطلاق لتسليط الضوء على الصراع الداخلي للشخصيات، وليس إعلانا لدعوة معينة وهذا شيء أحترمه كثيرًا في أي عمل فني، أن يكون صادقًا مع نفسه ومع جمهوره.
وفي النهاية، يمكنني القول بصراحة أن فيلم الملحد تجربة تستحق المشاهدة بلا مبالغة هو ليس مجرد فيلم لمناقشة موضوع حساس، بل هو دعوة للتفكير والحوار بعد العرض، شعرت أنني خرجت من السينما ومعي الكثير من الأسئلة عن نفسي وعن المجتمع، وهذا، في رأيي، هو جوهر الفن الحقيقي أن يجعلك تفكر، تشعر، وربما تغير وجهة نظرك قليلا دون أن يفرض عليك شيء.


