شم النسيم.. احتفال مصري تاريخي يجمع بين الطبيعة والموروث الشعبي

منذ آلاف السنين، يحتفل المصريون بعيد شم النسيم، وهو تقليد يعود إلى مصر القديمة، حيث ارتبطت طقوسه بالحضارة الفرعونية التي مزجت بين الطبيعة والمعتقدات الدينية، ومع مرور الزمن، ظل هذا العيد جزءًا من الثقافة الشعبية، متجاوزًا مختلف العصور والعقائد ليصبح من أقدم الأعياد التي لا تزال حية في الوجدان المصري.
أصل التسمية والجذور التاريخية
تزامنًا مع احتفال المصريين في 21 أبريل 2025 المقبل بأعياد شم النسيم، يرجع اسم العيد إلى اللغة المصرية القديمة، حيث عُرف بـ شمو، وهي كلمة تعني الحرارة أو القيظ، كما كانت تُستخدم للإشارة إلى موسم الحصاد، وعبر تطور اللغة، تحول الاسم إلى شم في القبطية، قبل أن يكتسب لاحقًا اللفظ العربي نسيم، للدلالة على اعتدال الطقس مع بداية الربيع، وذلك وفقًا لما نشرته صحيفة الـ بي بي سي.
أما عن بدايات الاحتفال، فقد اختلفت آراء الباحثين، إذ يعتقد البعض أنه بدأ قبل عصر الأسرات، فيما يرى آخرون أنه يعود إلى عام 4000 قبل الميلاد، لكن الثابت أن الاحتفال الرسمي به بدأ في عهد الأسرة الثالثة، ليصبح عيدًا سنويًا مرتبطًا بالمواسم الزراعية.

موسم الحصاد وبداية عام جديد
قسّم المصري القديم السنة إلى ثلاثة فصول رئيسية وفقًا لدورة الزراعة: الفيضان آخت، وبذر البذور برت، والحصاد شمو، وكان شم النسيم بمثابة احتفال بموسم الحصاد، حيث تجددت فيه الطبيعة، واعتبره المصريون بداية عام مدني جديد، بعيدًا عن التقويم الزراعي أو الديني.
لم يكن هذا العيد مجرد مناسبة دينية، بل كان أيضًا وقتًا للفرح والاستمتاع بالحياة، كما يتضح من النصوص الفرعونية التي احتفت بمباهج الحياة، حيث دعت أناشيد مصرية قديمة إلى التخلص من الهموم والاستمتاع بالغناء والرقص.

طقوس الاحتفال.. نزهات وأطعمة رمزية
منذ القدم، كان الاحتفال بشم النسيم يتميز بالخروج إلى الحدائق والمتنزهات، حيث كان المصريون يجتمعون وسط الطبيعة، حاملين أطعمة خاصة تحمل دلالات رمزية، أبرزها:
- البيض: رمزًا للتجدد والحياة الجديدة، فقد كان جزءًا من القرابين المقدمة للآلهة، كما رُبط بفكرة الخلق، حيث اعتقد المصريون أن الكون نشأ من بيضة كونية.
- السمك المملح (الفسيخ): يعكس تقديس المصريين لنهر النيل، وارتبط بفكرة نشوء الحياة من المياه.
- البصل: اشتهر بخصائصه العلاجية، وقيل إن تناوله كان تقليدًا بدأ منذ الأسرة السادسة، عندما ساهم في شفاء أحد الأمراء الصغار.
- الخس: ارتبط بالإله مين رمز الخصوبة، وكان يُستخدم أيضًا لعلاج بعض الأمراض الهضمية.
- الحمص الأخضر (الملانة): ارتبط بفصل الربيع وتجدد الحياة، حيث كان نضجه علامة على بداية موسم الحصاد.

تأثير شم النسيم على الحضارات الأخرى
لم يقتصر الاحتفال بشم النسيم على مصر، بل انتقل تأثيره إلى حضارات أخرى خلال التوسعات العسكرية المصرية، خاصة في عهد الملك تحوتمس الثالث، فقد تبنت شعوب بابل وفينيقيا وبلاد فارس طقوسًا مشابهة، حيث اعتبروا موسم الحصاد بداية جديدة للحياة.
ورغم تغير الأزمنة والعصور، بقي شم النسيم أحد الأعياد التي توحد المصريين، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، إذ استطاع أن يحافظ على مكانته في الثقافة الشعبية كاحتفال يعكس حب الحياة والطبيعة.