الجمعة 12 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

شجرة التوت

الخميس 07/أغسطس/2025 - 11:33 م

كثيرا ما أتذكر شجرة التوت في قريتنا، حيث جلست في ظلالها، يمر عليّ حفيف الريح وأنا في صمت تام، أفكر في المستقبل، في القرية التي أنتمي إليها، حيث حدودها عالمي، لم أخرج من جنباتها قط، أتوق إلى حيث تنتهي، فالشمس تسطع علي أرضها، قريبة جدا في لحظه غروبها وشروقها، وكأنها ستقع علي الأرض.

تسير الحياة في هدوء، الجميع يعيش في حالة من الرضا، فقد تأقلموا على نمط تلك الحياة بروتينها ورتابتها، الأرض هي عالمهم، حلمهم، مستقبلهم، كل خططهم مرتبطة بالمحصول، كان القطن ذهبهم، في موسمه يتم الزواج، والبناء، الخطوبة، والسفر، جنيهاته القليلة مصدر سعادتهم.

اليوم سنحتفل، سيجتمع الكبار ليقرروا مستقبل شباب وفتيات العائلة، الكل ينصاع من سيستكمل تعليمه ومن سيخرج منه للعمل في الأرض، من ستتزوج وتكتفي بقدر ما درست.

تسمع صوت الزغاريد، وعلى ضوء لمبة الجاز تتحسس الوجوه، فالظلام دامس عابس في الطرقات، والجميع أشعل النيران في طست كبير ملئ بالتبن، ليهرب الناموس بعيدا، الدخان يعبئ المكان، الام تنادي ان افتحوا الأبواب ليدخل الدخان الي الغرف، حتي هذا تكيفوا عليه، لم يعد يزعجهم، ما يزعجهم هو أزيز الناموس.

أخذت كتاب أنيس منصور “٢٠٠ يوم حول العالم”، وقلت لنفسي هل سيأتي الي هنا ليحكي ما لم استطع أن أحكيه، لكنه ذكره عندما كان في المنصورة، وهو يحكي عن بداياته، وعمل والدة، واناقة والدته، والبرتوكول الذي يتعلمه في فن التعامل مع الآخرين.

صوت صارخ ينادي: مالك ولأنيس منصور، ألم تشاهد مسلسل الأيام لطه حسين، الولد الكفيف في قرية من أعماق الصعيد، قهر فقد البصر، ورزقه الله البصيرة فصار عميدا للأدب العربي، وصار طه حسين تلك الأيقونة التي حباها الله بملكات كثيرة، كتب وحاور وجادل، وصال وجال، وفعل ما لم يفعله المبصرون.

لعل الشجرة تحتها جن، أدركت هذا عندما حاولت أن أتسلقها في وقت الظهيرة، لم يكن هناك انسان واحد في تلك الفترة من القيظ، الفلاحون في سكون تحت ظلال أشجار الصفصاف علي شاطئ الترعة، وقتها تجمدت قدماي لا تستطيع التقدم خطوة الي الامام، ولكنها ترجع الي الخلف، نزلت بسرعة وجلست مكاني.

في تلك اللحظة تذكرت كلمات جدتي عن جنية البحر التي لها ذيل يشبه السمكة، تخرج في هذا السكون لتتنفس بعض الهواء، وتخرج علي الشاطئ، قالت انها خطفت فتاة من القرية وذهبت بها إلى ملك الجن، تحت الأرض.

توترت الأعصاب، والقلب يدق متسارعا، قدماي تستعد للعدو، وعقلي يرفض الهروب، فلماذا لا تظهر لي وتخطفني؟ أريد أن أعيش تلك القصة، أين أنتِ أيتها الجنية، فلتظهري لي، صوت ما في الترعة، إنها بالتأكيد هي، أطلقت لساقي الطيران.

أنبتني جدتي عندما حكيت لها، لا تعاند يا بني انها حقيقة، فجدك عندما عاد من زيارة الشيخ الدريني، قابلته النداهة ولفت به الأراضي وتوهته في البلاد، لم يسمع الا صوتها عذبته ساعات طويلة، حتى قابله رجل من القرية وأفاقه من نومه وغفلته، فاحذر ان تسير في طريقها.

اليوم الجمعة وستذهب الفتيات والسيدات والأمهات إلى مقام سيدنا الشيخ، يتبركون بزيارته قبل إقامة الصلاة في المسجد، كعادتهم الأسبوعية، يقدمون النذور والقروش القليلة في الصندوق، وسيحملون معهم الحلوى والأرز باللبن، يجب ان نكون في استقبالهم، حيث سنهجم علي قصعاتهم بأيدينا، ونطوف بعدها حول مقام الشيخ.

تابع مواقعنا