أرض الصومال بين خدمة إثيوبيا ومخططات التهجير.. قراءة في الاستراتيجية الإسرائيلية
شكل اعتراف إسرائيل بأرض الصومال كدولة منعطفاً سياسياً يتجاوز البعد الدبلوماسي المباشر، ليكشف عن استراتيجية أوسع تقوم على إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة عبر استثمار هشاشة الكيانات والدول غير المستقرة إذا لا يمكن قراءة هذا الاعتراف بمعزل عن القضية الفلسطينية وكذلك مساعي إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي، إذ يعكس محاولة إسرائيلية لإيجاد شرعيات بديلة وتوسيع دائرة الحلفاء في مناطق تعاني من ضعف البنية الوطنية والانقسامات الداخلية.
فالربط بين الحالتين يوضح أن إسرائيل تستهدف فراغات السيادة في أرض الصومال عبر الاعتراف المثير للجدل، وفي فلسطين عبر فرض وقائع التهجير والاقتلاع من الأرض، فكلا المسارين يقوم على استثمار ضعف المؤسسات الوطنية، وتحويله إلى فرصة لإعادة إنتاج نفوذ إقليمي يهمّش الحقوق التاريخية للشعوب، وبذلك يصبح الاعتراف بأرض الصومال ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل جزءا من سياسة أوسع تهدف إلى إضعاف مركزية القضية الفلسطينية عبر خلق سوابق دولية تُشرعن التعامل مع كيانات خارج السياق التقليدي، في الوقت الذي يُدفع فيه الفلسطينيون إلى الهامش بفعل الانقسام والتهجير.
التهجير لأرض الصومال ليس حديثًا
وفي ذلك يرى حسن عصفور وزير التفاوض الفلسطيني الأسبق أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال من شأنه أن يمثل بوابة علنية لتهجير الفلسطينيين الطوعي وغير الطوعي من أرضهم في قطاع غزة وكذلك الضفة، خاصة أنه منذ أشهر كثيرة يبرز اسم إقليم أرض الصومال كأبرز المناطق المقترحة للتهجير والتي كانت تعمل عليها إسرائيل لتهيئتها لذلك.
وأضاف عصفور لـ القاهرة 24، أن المشكلة في الأساس تكمن في كيفية مواجهة خطر التهجير نفسه، وليس إلى أرض الصومال أو غيرها من المناطق الأخرى التي يمكن أن تظهر إلى العلن في أي وقت بقرار وتوافق إسرائيلي مع تلك الجهة أو غيرها.
وأوضح أن مواجهة التهجير الفلسطيني تبدأ من خلال إعادة الإعمار وتوفير مقومات للحياة في القطاع، وهو ما ترفضه إسرائيل بقوة في كافة المفاوضات وتعمل على كسب الوقت من خلال التعنت في ملفات نزع السلاح وخروج حماس وغيرها من القضايا التي يمكن تجاوزها والعمل بشكل فوري على توفير مقومات الحياة.
وتابع وزير التفاوض الإسرائيلي الأسبق، أن تل أبيب كانت تعمل على الاعتراف بأرض الصومال مقابل تسهيلات في قضية التهجير منذ سنوات وليس عقب أحداثث السابع من أكتوبر فقط، وأن الحرب التي استمرت في القطاع مثلت ذريعة إسرائيلية لإخرج تلك التحركات للعلن بشكل عاجل فقط،، كما أن التشرذم الفلسطيني حاليا قد يضع الفلسطينيين خارج السياق التاريخي في لحظة ما.

أرض الصومال لخدمة إثيوبيا وليس التهجير
في حين يرى السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الاعتراف الإسرائيلي باستقلالية ما يسمى بأض الصومال لا قيمة له، كونه يمثل سابقة فريدة في نوعها بأن تعترف دولة مشكوك في قانونية وجودها وحدودها من الأصل، بانفصال جزء من دولة عضو في جامعة الدول العربية وفي الاتحاد الإفريقي، وكلا التنظيمين لا يعترف بإسرائيل.
وأضاف بيومي لـ القاهرة 24، أن علاقة الاعتراف الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة يمكن وصفه بأنه: عشم إبليس في الجنة.. فلا الشعب الفلسطيني سيغادر بل هو صامد ولا توجد وسيلة لإكراه هذا الشعب البطل على مغادرة أرضه ولا وسائل لنقله.
وأوضح أن الغرض من الاعتراف الإسرائيلي المزعوم بما يسمى بأرض الصومال، يمثل خدمة من إسرائيل لإثيوبيا التي تأمل أن يكون لها منافذ على البحار ومنها المحيط الهندي وخليج عدن وباب المندب، وبالتالي منافذ البحر الأحمر والملاحة في قناة السويس، وهو ما أدانته مصر على الفور ومن ورائها الدول العربية، مؤكدًا أن مصر والدول العربية والإسلامية والإفريقية وكثير من الدول الأوروبية لن تقبل بهذا الموقف.
وكانت إثيوبيا أعلنت مطلع العام الماضي، حسب اتفاقية غير قانونية أنها تعتزم الاعتراف بما يسمى بأرض الصومال، مقابل السماح لإثيوبيا ببناء قاعدة بحرية تجارية وعسكرية على البحر الأحمر في منطقة بربرة، مقابل حصول الإقليم الساعي للانفصال عن جمهورية الصومال على الاعتراف، بكونه دولة مزعومة من قبل أديس أبابا.

ودأبت إثيوبيا إلى الوصول إلى الساحل منذ انفصالها عن إريتريا عام 1993، ما جعلها دولة غير ساحلية، وتنظر إلى اتفاق أرض الصومال كوسيلة لتخفيف اعتمادها على جيبوتي للوصول إلى البحر، على الرغم من تحذير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومصر، من أن الخطة يمكن أن تتسبب في تصعيد الصراع في منطقة تعاني بالفعل من الإرهاب والحرب.
وتستند العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية على أبعاد دينية، وتاريخية، وأمنية، تعززت بوجود جالية يهودية إثيوبية كبيرة في إسرائيل، بينما شهد العقد الأخير تصاعدًا في وتيرة التقارب، حيث نظرت تل أبيب إلى القارة الإفريقية كعمق جيو سياسي واقتصادي وأمني، فكثفت نشاطها في القارة، وتعددت زيارة وفودها، خاصة لشرق القارة.
إلى جانب اكتسابها طابعًا خاصًا عقب اندلاع الحرب في غزة وتداعياتها على أمن البحر الأحمر، وقضية سدّ النهضة التي تمثل واحدًا من أهم ملفات الأمن القومي المصري، والعربي.
الصومال ستواجه إسرائيل والتهجير
ومن الجانب الصومالي يقول السفير علي عبدي مندوب الصومال الدائم لدى الجامعة العربية وسفيرها بالقاهرة، إن ما أعلنت عنه حكومة الاحتلال الإسرائيلي من اعتراف مزعوم بما يسمى إقليم أرض الصومال، هو عمل عدواني واستفزازي ومرفوض جملة وتفصيلا، ويشكل انتهاكًا فاضحا وغير مسبوق للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة، ولميثاق جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، ويمثل تحديا سافرًا لإرادة المجتمع الدولي واستخفافًا بالنظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول.
وأضاف في كلمته أمام مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، إن الإجراء الإسرائيلي يعتبر باطلا ومرفوضا وعديم الأثر، ولا يمكن فصله عن نهج عدواني مستمر بعد حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني يقدم حاليًا على دعم كيان انفصالي في الصومال سعيًا إلى تحقيق التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه.

وأكد أن الصومال لن يكون طرفا في أي مسعى لتهجير الأشقاء الفلسطينيين من أرضهم، وأن الصومال لا يرى في هذه الخطوة مجرد اعتداء إسرائيلي آخر على دولة عربية أخرى، بل يعتبره اعتداء مباشرا ومسا بالأمن القومي العربي ككل، وأمن الملاحة في البحر الأحمر.
وهو أيضًا ما أيده وزير الدولة للشؤون الخارجية الصومالي علي عمر لـ القاهرة 24، بأن الاعتراف الإسرائيلي المزعوم لا يقتصر على الصومال فحسب، بل يؤثر بشكل مباشر على استقرار القرن الإفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن والأمن البحري العالمي، خاصة أن الإجراءات الأحادية وغير القانونية التي تقوّض سيادة الدول وسلامة أراضيها على طول الممرات البحرية الحيوية تُنذر بخطر زعزعة استقرار إقليمي أوسع، وتُشجّع على التشرذم، وتُضعف الجهود الجماعية لحماية طرق التجارة الدولية والتعاون الأمني.
وتابع الوزير الصومالي أنه يتعين على الدول المسؤولة التصرّف بضبط النفس، والالتزام بالقانون الدولي، وتجنّب الخطوات التي تُؤدّي إلى تصعيد التوترات أو تُرسّخ سوابق خطيرة، ويعتمد الاستقرار في هذه المناطق على احترام السيادة، وعدم التدخّل، والالتزام المشترك بالسلام والأمن، لا على الإجراءات التي تُؤجّج الانقسام أو تُثير حالة عدم اليقين.
وفي بيان صدر أمس رفضت 24 دولة ومنظمة الربط بين الاعتراف بأرض الصومال هذا الإجراء وأي مخططات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني خارج أرضه، المرفوضة شكلا وموضوعا وبشكل قاطع.
وكانت بداية تلك الأنباء ما جرى تداوله في شهري فبراير ومارس الماضيين حسب وسائل إعلام عبرية، بأن ما يسمى إقليم أرض الصومال لا يمانع في استيعاب أهالي قطاع غزة لديها شريطة الاعتراف بها.
وحينها ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أن مسؤولين أمريكيين تواصلوا مع حكومات من شرق إفريقيا لمناقشة إمكانية نقل النازحين الفلسطينيين من غزة، وأن وزير خارجية أرض الصومال عبد الرحمن ضاهر آدان قد قال إن: "أرض الصومال لا تستبعد استيعاب سكان غزة لكننا لا نريد التكهن بأمور لم تُناقش بعد.. يجب على جميع الدول المهتمة بمناقشة قضايا معينة معنا أن تُنشئ أولا علاقات عمل معنا وأن تفتح بعثات دبلوماسية في أرض الصومال"، وهو ما سعت إليه إسرائيل في الوقت الراهن بإعلانها اعتراف مزعوم بما يمسى بأرض الصومال كدولة مستقلة بالمخالفة لكافة القوانين الدولية.





