«المقايضة الكبرى» تشعل الجدل على إكس.. هيكل يطرح حلًا لتصفير الديون وعز العرب وفؤاد يحذران من المخاطر
أثار نقاش اقتصادي واسع جدلًا كبيرًا عبر منصة إكس، بعد أن أعاد رجل الأعمال حسن هيكل طرح رؤيته حول أزمة الدين العام المحلي في مصر، وما وصفه بالمقايضة الكبرى كحل جذري، وهو ما قوبل برد مباشر من المصرفي البارز هشام عز العرب، الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي CIB، والخبير الاقتصادي محمد فؤاد، لتتحول التدوينات إلى حوار مفتوح بين المتفاعلين عبر المنصة.
بدأ حسن هيكل الجدل بتدوينة قال فيها إنه سبق أن أبلغ رئيس الوزراء على الهواء قبل نحو عام، بأن الدين العام المحلي غير قابل للاستمرار، ولا يمكن حله إلا من خلال حل جذري يتمثل في المقايضة الكبرى، متسائلًا عما إذا كان ما تحدث عنه حينها هو ما سيتم الإعلان عنه قريبًا.

المقايضة الكبرى.. حل جذري من هيكل عن أزمة الدين العام في مصر
وأعاد هيكل نشر شرح مطول كان قد قدمه العام الماضي، حاول فيه تفكيك الأزمة عبر عدة مشاهد، ففي المشهد الأول، ضرب مثالًا بشركة تراكم عليها دين ضخم على مدار سنوات طويلة، بحيث أصبحت الفوائد تشكل الجزء الأكبر من إجمالي الدين، معتبرًا أن الدولة تمر بوضع مشابه، حيث تلتهم فوائد الدين معظم الإيرادات، ما يضغط على الإنفاق على قطاعات أساسية مثل التعليم والصحة.
وفي المشهد الثاني، أشار هيكل إلى أن تدخل البنوك المركزية في أوقات الأزمات ليس أمرًا مستحدثًا، مستشهدًا بتجربة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال أزمة 2008، حين تدخل لإنقاذ شركات كبرى حفاظًا على الاقتصاد الكلي.
أما المشهد الثالث، فتناول فيه هيكل تضخم أرباح البنوك التجارية في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة، موضحًا أن جزءًا كبيرًا من نشاطها أصبح قائمًا على توظيف السيولة في أدوات الدين الحكومية، ما يحقق أرباحًا مرتفعة للبنوك في مقابل أعباء فائدة كبيرة تتحملها الدولة.
وفي المشهد الرابع، ناقش هيكل قضية التضخم، معتبرًا أن التضخم السنوي المرتفع يعكس بالأساس أثر خفض قيمة العملة، بينما التضخم الشهري تراجع، وهو ما يجعل استمرار رفع أسعار الفائدة – من وجهة نظره – مرتبطًا أكثر بجذب الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين، وليس فقط بمحاربة التضخم.

مقترح ببيع أصول الدولة للبنك المركزي مقابل تصفير الدين العام المحلي
وأكد هيكل في تدوينته أن استمرار الوضع الحالي يقود إلى دائرة مفرغة من الدين، مقترحًا بيع أصول الدولة للبنك المركزي – وليس البنوك التجارية – مقابل تصفير الدين العام المحلي، على أن توضع هذه الأصول في كيان سيادي تُدار باحترافية، ويتم توجيه وفورات الفائدة إلى الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي ودعم القطاعات الإنتاجية.
هشام عز العرب عن مقترح هيكل: إعلان إفلاس ويمثل خطورة شديدة
لم يمر مقترح حسن هيكل مرور الكرام، إذ علّق هشام عز العرب عليه مازحًا: لو ده يبقى إعلان إفلاس يا أبو علي، موضحًا أن نحو 40% من الأذون الحكومية مملوكة للأجانب، معقبًا: أموال المودعين عاوز تصادرها وتديهم أصول بدلها.. هي الناس لاقية تأكل!
كما تساءل عز العرب عن كيفية التعامل مع الديون الخارجية، مثل اليوروبوند، وما إذا كان المجتمع سيقبل بمثل هذا التوجه أم لا.

عز العرب: طروحات هيكل الاقتصادية تمثل خطورة شديدة
وأضاف هشام عز العرب، أن بعض الطروحات الاقتصادية التي طرحها هيكل، تمثل خطورة شديدة لعدم مراعاتها لتداعيات القرارات الاقتصادية، مؤكدًا أن هذا النوع من القضايا لا يمكن فهمه أو التعامل معه إلا من قبل المتخصصين في علم الاقتصاد.
وأضاف عز العرب، أن مصر دولة تمتلك إمكانيات كبيرة وغير محدودة، مشددًا على أنها لم تتخلف عن سداد أي التزام مالي أو «مليم واحد» على مدار عشرات السنين، وهو ما يعكس قوة الدولة وقدرتها على الوفاء بتعهداتها.
وأوضح أن الإشكالية في تلك الطروحات أن هيكل ينظر إلى «نصف الكوب الفارغ» فقط من خلال التركيز على حجم الدين، دون النظر إلى نسبة الدين إلى إيرادات الدولة، مشيرًا إلى أن تطبيق مبدأ وحدة الموازنة وحده كفيل بخفض خدمة الدين إلى نحو النصف.
هيكل يرد: الدين العام اقترب من 13 تريليون جنيه ومعندناش بدائل كثيرة
ليرد عليه حسن هيكل مجددًا مؤكدًا أن الدين العام المحلي الذي يقترب من 13 تريليون جنيه، في ظل إيرادات موازنة بنحو 3 تريليونات جنيه، لا يترك - من وجهة نظره - بدائل كثيرة.
وأوضح أنه حتى مع خفض سعر الفائدة إلى 17%، فإن خدمة الدين المحلي ستلتهم ما بين 70% و80% من الإيرادات، معتبرًا أن برامج إدارة الأصول التقليدية لن تكون كافية لمعالجة حجم الأزمة.

محمد فؤاد عن مقترحات هيكل: الاقتصاد لا يُدار بالمبادرات المفاجئة
وجدّد الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، موقفه الرافض لمقترحات تصفير الدين المحلي عبر ما يُعرف بــ المقايضة الكبرى، مؤيدًا ما طرحه المصرفي هشام عز العرب بشأن خطورة هذه الأفكار لعدم تقدير تداعياتها الكلية على الاستقرار النقدي والمالي.
وقال فؤاد تعليقًا على طرح عز العرب، إنه لا توجد في علوم الإدارة والاقتصاد مخرجات وقتية أو معجزات، مؤكدًا أن الحلول الشكلية لا تعوّض العمل الحقيقي، وأن المسار الاقتصادي، إذا لم يتغير جوهريًا، سيقود في النهاية إلى النقطة ذاتها مهما اختلفت العناوين.
ويأتي موقف فؤاد امتدادًا لمقال تحليلي كان قد نشره في التوقيت نفسه من العام الماضي، فنّد فيه مقترح حسن هيكل لتصفير الدين المحلي، محذرًا من الانسياق وراء حلول تبدو جذابة ظاهريًا بينما تنطوي على مخاطر اقتصادية جسيمة.
وشدد فؤاد في ختام مقاله آنذاك على أن الحل الاقتصادي لا يتطلب أن يكون سحريًا أو مبتكرًا يخرج عن الصندوق أو من الكم، فمثل هذه الأطروحات قد تحمل ظاهريًا الخلاص، لكنها في جوهرها إرهاصات اقتصادية بدائية الصنع.
واختتم فؤاد بالتأكيد على أن الاقتصاد لا يُدار بالمبادرات المفاجئة أو “الافتكاسات”، بل بالالتزام الصارم بأساسيات علم الاقتصاد والإدارة الرشيدة، معتبرًا أن أي تجاوز لهذه القواعد لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمة بأدوات مختلفة.





